أخلاق الرسول .. مع المخطئين في حقه
أخلاق الرسول كان رسول الله يُراعي جانب العدل هذا حتى لو
كان الأمر متعلقًا به هو شخصيًّا، وأمثلة ذلك في السيرة النبوية كثيرة
جدًّا، ولكننا معنيُّون في هذه المقالات بالحديث عن مواقفه مع غير
المسلمين، فلن نتطرق إلى شرح مواقفه الرائعة مع أصحابه وأتباعه، وسنكتفي
بالتعليق على بعض المواقف التي مرت به مع غير المسلمين..
موقف أم المؤمنين عائشة
تروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ
الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قالت
عائشة: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللعْنَةُ.
قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَهْلاً يَا عائشة؛ إِنَّ اللهَ
يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» -وفي رواية: «وَإيَّاكِ
وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ»- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ
تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ رَسُولُ اللهِ : «قَدْ قُلْتُ:
وَعَلَيْكُمْ».
فهذا رسول الله -وهو القائد الممَكَّن في المدينة- يدخل عليه مجموعة من
اليهود، فيدعون عليه بالموت في وجهه وهم يتحايلون باستخدام لفظ «السام»
القريب من كلمة «السلام»، بحيث لو واجههم رسول الله بذلك لقالوا كذبًا:
لقد قلنا «السلام»، ورسول الله مع يقينه بما قالوا، ومع وجود عائشة -رضي
الله عنها- في المجلس وسماعها لمثل ما سمع، إلا أنه لا يقيم عليهم حكمًا
ما داموا مُنْكِرين، ولا يقول: شهادتي وشهادة عائشة -رضي الله عنها- أمام
شهادتكم، بل يكتفي بأن يردَّ لهم الكلمة بأدب، فيقول: «وَعَلَيْكُمْ». بل
إنه ينهى عائشة -رضي الله عنها- عن العنف والفحش، ويأمرها باتِّباع الرفق
في المعاملة حتى مع مَن يدعو عليك بالموت في وجهك!
موقف الرسول مع زيد بن سعنة
وأعجب من هذا موقف الرسول مع زيد بن سعنة وكان من أحبار اليهود.. قال زيد
بن سعنة: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين
نظرتُ إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمُه جهلَه، ولا يزيده شدة
الجهل عليه إلا حلمًا، فكنت أتلطف له لأن أخالطه، فأعرف حلمه وجهله.
قال: فخرج رسول الله من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل على
راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في
الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدة
وقحط من الغيث، وأنا أخشى -يا رسول الله- أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما
دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسل إليهم من يُغيثهم به فعلت. قال: فنظر
رسول الله إلى رجلٍ جانبه -أراه عمر- فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا
معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: «لاَ يَا يَهُودِيُّ،
وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا،
وَلا أُسَمِّي حَائِطَ بني فُلانٍ». قلت: نعم. فبايَعَنِي ، فأطلقت
هِمْيَاني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا
وكذا. قال: فأعطاها الرجل وقال: «اعْجِلْ عَلَيهِمْ وَأَغِثْهُمْ بِهَا».
قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله
في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما
صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه
بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني -يا محمد- حقي؟ فوالله إنكم -يا بني عبد
المطلب- قوم مطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم!!
قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم
رماني ببصره وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، وتفعل به ما
أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فَوْتَهُ لضربت بسيفي هذا
عنقك. ورسول الله ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: «يَا عُمَرُ، أَنَا
وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا؛ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ
الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا
عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ
مَا رُعْتَهُ».
قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟
قال: أمرني رسول الله أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ. فقلت: أتعرفني يا عمر؟
قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟
فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله حين نظرت
إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمُه جهلَه، ولا يزيده شدة الجهل
عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما، فأُشهدك -يا عمر- أني قد رضيت بالله
ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها
مالاً- صدقة على أمة محمد .
فقال عمر: أو على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر
وزيد إلى رسول الله ، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده
ورسوله ».
.............................................
سبحان الله فهل يستطيع أحد منا أن يفعل هذا
اللهم صل وسلم على نبيك وعبدك ورسولك محمد
اللهم اجعلنا من أحبابك وأحباب رسولك واحشرنا مع الأنبياء
والله ولي التوفيق