إن الناظر المتأمل في سير العظماء والنبلاء والكبار, ثم يتبعها بنظرة أخرى في حال غيرهم ممن ليسوا كذلك يدرك شيئا مهماً, وهو أن الفرق بينهم في إدارة الوقت وحسن تنظيمه بتقليل ساعات نومهم, نعم وبكل صراحة إن النوم الكثير وأدٌ للأعمار وضياع للعلم والثروات, وقتل لأصحاب مواهب كان يؤمل عليهم أن يصلوا يوماً من الدهر إلى غاية عظيمة!... وكم! وكم!
حكي عن داود عليه السلام أنه قال لابنه: إياك وكثرة النوم, فإنه يفقرك ...
جاء في الأثر أن المتوسط العمري لنا هو 60 عاماً, ومتوسط عدد ساعات نوم الإنسان العادي كما يقول أهل التخصص هو 8 ساعات يومياً, إذن الإنسان يقضي من عمره 20 عاماً نائماً. السنة بها 365 يوماً ، والإنسان ينام 8 ساعات يومياً ، أي 2920 ساعة في السنة أو 121 يوما في السنة ، أي أنك في خلال ال60 عاما ستنام 7300 يوماً أي 20 عاماً.
فتخيل لو ضيعت ساعة فقط في اليوم كم ستضيع من عمرك؟, سيضيع حوالي عامين ونصف!!! فكيف بمن يضيع الأيام والليالي.
فلو قللت نومك من 8 ساعات في اليوم إلى 6 ساعات فقط ستحفظ عليك 5 سنوات من عمرك.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص من أجلي، ولم يزد فيه عملي.
قال ابن القيم: إذا أراد الله بعبد خيرا أعانه بالوقت وجعل وقته مساعدا ً له، كلما همت نفسه بالقعود، أقامه الوقت وساعده.
ترى كثيراً من المسلمين يرددون هذه العبارة: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وتراه في حياته العملية مضيع لأوقاته. وترى دائرةً هي أخص من الأولى وهم المنتسبون إلى العلم وطلبه يدعون ويلهجون بـ"اللهم اجعلنا للمتقين إماماً" وهم منخرطون في سلك الفوضى وعدم الترتيب.
اخوتاه! بأيدينا أن نكون أو لا نكون, وقديماً قالوا: "كن أو لا تكن".
وقد قال الشاعر:
فانْفُضُوا النومَ وهُبُّوا للعُلى فالعلى وقْفٌ علَى منْ لَمْ يَنَم
أفيقوا لا مجال لخامـــل ولا سبْقَ إلا للذي يتَقَحَم
وكان السلف يقولون لمن أراد أن يصرفهم عن استغلال الوقت في الخير: "أمسك الشمس".
ويقولون: "اللهم اشفني من النوم باليسير".
قال الحسن البصري: يا ابن آدم اليوم ضيفك ، والضيف مرتحل ، يحمدك أو يذمك .
فالله .. الله في عمرك ووقتك ، والبدار قبل الفوات واشتغل بيومك لغدك.
وأختم بهذا النداء الرباني: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ}.
كأنه قيل له: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم ؟ وما لك والراحة ؟ وما لك والفراش الدافئ ؟ والعيش الهادئ ؟ والمتاع المريح !
قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب، والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد .
إنها كلمة عظيمة رهيبة تنزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء .
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله. قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا؛ لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوي الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب ... جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.
فيا إخواني:
الله الله في أنفسكم, إن الأمة تحتاج إلى رجال لا يعرفون الكسل, فلا تفوتوا هذه الفرصة على أنفسكم, لا تفقدوا الأمة رجلاً قد يصلح الله به كثيراً, وينتفع به أهل الإسلام, ويضر به آخرون.
هذا وما كان من صواب فمن الله وحده, وما كان من خطأ وزلل أو سهو فمني ومن الشيطان, والله ورسوله منه براء..