قال الله تعال في كتابه العزيز: (( الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنسَانَ {3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ {4})).
الإنسان يبدأ بالتكلم عندما يصل إلى عمر معين.
وهذه الحادثة تتراءى لنا وكأنها شيءٌ طبيعي لأنها تبدأ عند الجميع في عمر متقارب.
ولهذا
السبب تبقى ربما يظن بعض الناس أن المحادثة أو الكلام أمراً عادياً،
والحقيقة أن التحدث معجزة خارقة ذلك لأن الطفل لم يكن يعرف أي شيء عن
الكلام عندما يبدأ قبل أن يبدأ بالتكلم.
يقول
عالم اللسانيات البروفيسور steven pinker والمعروف بأبحاثه النتخصصة في
هذا المجال: "إننا لا نفكر بالنطق ونعتبره أمراً عاديا، وننسى بسهولة أنه
معجزة وهدية عجيبة لنا".
بكل
تأكيد عندما يتحدث الطفل فجأة بدون أن يعرف أي شيء عن الكلام وأسراره..
هذه هي المعجزة. فهو لا يختار اللغة لأنها بسيطة، حتى اللغات البسيطة
المعروفة تعتمد على قواعد اللسان المعقدة.. ولأن قواعد اللسانيات.. هي
علاقات رياضية بحتة.. فهي تأخذ من الكلمات والجمل المعاني العديدة
والكثيرة.
هناك
أسئلة كثيرة بقيت دون جواب حول اللسان واللغة.. كيف يتحدث الطفل وهو في
الثالثة من عمره؟ وهل يتعلم ذلك من خلال ما يسمعه من بيئته؟ ومن الذي
يلقنه قواعد اللغة وقواعد اللسان.. التي عجز العلماء عن وضع أصولها
وقواعدها على أكمل وجه حتى الآن؟ وكيف تسيل الكلمات من فمه بشكل انسيابي
لائق موافقاً قواعد اللغة المعقدة؟ ثم كيف تنجح الكلمات والجمل لتشكيل
الأصول اللغوية وإعطاء الشرح والمعنى ؟ ولماذا تشكلت أكثر من ستة آلاف لغة
متفرقة؟ ولماذا.. كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ينطق وبقية الأحياء
لا تستطيع الكلام؟ ماذا يحصل في أذهاننا حتى تتحول كل ذلك إلى كلمات وجمل؟
والجملة
التي تصدر عن الإنسان لم تعرف بعد حقيقتها لما فيها من العمليات الدقيقة
والمعقدة. ومن الواضح أن النطق لا يؤخذ من خلال التعلم أو التعليم... لأنه
لا أحد يعلمنا أسس آلاف الجمل والكلمات التي نعرفها.. وبالأصل تعليمها غير
ممكن. فمثلاً: عندما يتحدث المرء يؤلف جملاً نظامية مع أن المتحدث لا يعرف
شيئاً عن الأساسيات المعقدة الموجودة في الكلمات والجمل التي ينظمها
ويستطيع أن ينطق بسهولة ويُسر منظماً جملاً ربما لأول مرة تخرج من فمه. كل
هذا بعفوية بالغة.. ودون أن يشعر بها. هذا العلم اللساني المعقد لم يستطع
علماء اللسانيات المشهورين أن يُعرّفوه تماماً.
إن
النطق هو عملية معقدة، يتحدث عالم اللغة المعروف "Philip Lieberman" عن
هذه القواعد التي لا حصر لها: "مع نتائج الأبحاث الهائلة وتوسعها، تقترب
عدد القواعد والأصول التي نحسبها موجودة من عدد الجمل. وتأتينا القواعد
اللغوية بشكل مفجع وتنتهي بفشل ذريع. ولم يستطع أحد حتى الآن أن يضع قواعد
كاملة وشاملة عن لغة من اللغات.
يبن
ليبرمان أن قواعد النطق بالجمل تتساوى مع عدد الجمل فكيف فكيف مع هذا
العدد الهائل للقواعد تسنى للطفل ابن الثلاثة سنوات أن يتلكم.
الإنسان
يبدأ حياته الاجتماعية بتعلمه قواعد اللغة واللسان. والشيء الأكثر وضوحاً
هو أننا لم نأخذ علم النطق من آبائنا ولا من غيرهما. هذه الحقيقة يعرضها
لنا البرفيسور المدرس في جامعة" "MiT الأستاذ "steven pinker" قائلاً: كيف
يستطيع طفل صغير أن يأخذ اللغة وعلم اللغة والذي هو علم لا ينتهي من
الأحاديث القليلة والمقننة التي تجري حوله. والطفل حقاً لا يأخذ مهارة
الكلام من أبويه، وفي الوقت نفسه لا يقوم الأبوين على تصحيح أخطاء الطفل
دائماً. ولا يحذرونه بحصول الخطأ في حديثه أو كلامه. وجمل الأطفال الصغار
غالباً لا تتناسب مع قواعد اللغة وإذا كان الحال هكذا فيجب على الأبوين
توبيخ ولدهما طوال النهار.
إننا
نستعمل قواعد علم اللغة ونستخدمها دون أي جهد منا.. لأننا نجدها جاهزة
أمامنا. وإذا وضعنا أمام أعيننا بعض الحسابات المعقدة فإن قواعد الكلام
تضع الإنسان في حيرة من أمره. لهذا السبب بقيت مهارة النطق عند الإنسان
سراً رياضياً بحتاً بكل ما في الكلمة من معنى – هذا السر المجهول يوضحه
لنا "Noam Chomsky" فيقول: أني لا أملك إلا معلومات قليلة حول علم الكلام
عدا بعض الجوانب الظاهرة من الخارج، فالتكلم هو سر كبير بكل المقايس.
عندما
يبدأ كل شخص بالتكلم بكل راحة. وعندما يعرف أنه يستخدم لسانه على أكمل
وجه. عندما يضع كل ذلك نصب عينيه يعرف أنه يقوم بذلك دون أي معرفة أو قصد
منه. إذا كنا لا نستطيع أن نضبط الكلمات الخارجة من أفواهنا. فيجب أن يكون
ثمة قوة خفية تلهمنا وتعطينا العلم والمعرفة.. كي نؤلف جملاً من كلمات هذه
القدرة هي قدرة الخالق العظيم وهو صاحب العزة والعلم والمالك لكل شيء.
إن
الله يلهم الإنسان ويجعله يتكلم.. ولا يستطيع إنسان ما أن يفتح فاه ولو
بكلمة واحدة بغير إذن الله.. إن مهارة التكلم هبةٌ من الله للإنسان.