عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهماعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئةالحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن), رواه الترمذي وقال حديث حسن, وفي بعض النسخ حسن صحيح .
هذا الحديث الشريف فيه الوصية بالتقوى وتكفير السيئة بالحسنة وحسن الخلق والتقوى وحسن الخلق مفتاح كل خير وإذا أردت أن تعرفصدق
ذلك فتصور نفسك تعيش بين أناس تميز كل منهم بتقوى الله وحسن الخلق؟, كيف
تكون الحياة وسمتها مع هؤلاء الأخيار؟! وحين قامت دولة الإسلام أول مرة
قامت على الإيمان العميق والأخوة الصادقة التي لا يتصور وجودها بدون حسن
الخلق وحين أمرالله تعالى الأمة بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأمرها أولاً بالتقوى والأخوة ثم عقب ذلك بالأمر بالدعوة إليه والأمربالمعروف والنهي عن المنكر وذلك واضح في سياق آيات آل عمران إذ يقول عزوجل: (يَاأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَتَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ
جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذكُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ),
وتقوى الله اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه وحق التقوى كما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه أن يطاع الله فلا يعصى وأن يشكرفلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى أو أن يتقي العبد مالا يتقي كما قال بعض السلفإنما سموا المتقين لأنهم اتقوا مالا يتقي أي جعلوا بينهم وبين الحزم سترةمن الحلال فاجتنبوا بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام وقوله صلى اللهعليه وسلم: (حيثما كنت) إرشاد إلى عبادة الله على وجه المشاهدة فإن لميكن فعلى الأقل على وجه المراقبة كما قال صلى الله عليه وسلم في تعريفالإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه), أي على وجه الحضور والمشاهدة كأنماتشاهده جل وعلا .
فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذا المقام الثاني وهو مقام المراقبة أي استحضر مراقبته لك وهذا إذا عجز عن المقام الأول فهو الأعلىوالأسمى فالمطلوب من العبد أن يتقي الله في أي مكان كان فلا يتقيه في مكانيراه الناس فيه ولا يتقيه في مكان لا يراه فيه أحد فإن الله يراه حيثماكان فليتقيه حيثما كان وقوله صلى الله عليه وسلم وأتبع السيئة الحسنة تمحهافيه إشارة إلى أن الحسنة تزيل السيئة: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
فإذا كانت الحسنة هي التوبة فهي تمحو أي سيئة وأما إذا كانت الحسنة عملاًصالحاً فإنه يوازن بين السيئة والحسنة فإذا رجح العمل الحسن على السيئ زالأثره بل إذا كان مع العمل الصالح توبة وتضرع وبكاء وندم كلما ذكر الذنب أوالعمل السيئ كتب بذلك حسنات وهذا زهد المعنيين لقوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ), والمعنى الآخر يبدلهم بعمل السيئات عمل الحسنات وقولهصلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن), فيه إشارة إلى الخلق الحسنعامة دون تحديد لأخلاق معينة يجتهد العبد في كل ما هو حسن من الخلق فيتجملبه ويكون عنده حرص على كل ما يحسن خلقه مع الناس وقد كتب كثيرون فيماينبغي في التعامل مع الناس مما يزرع المحبة والألفة بينهم وما يقضي على كلما يفسد الأخوة والعلاقة بينهم وفيما يلي إشارة لبعض الأمور التي يحبهاالناس وأخرى يكرهها الناس أذكرها لعلها تكون عوناً لنا على مخالقة الناسبخلق حسن بفعل ما يحبونه وترك ما يكرهونه دون أن يكون في ذلك مخالفة للشرعفمن الأمور التي يحبها الناس..
ـ إظهار الاهتمام بهم والاستماع لحديثهم والبعد عن الجدل وتقديرهم .
ـ احترامهم صغاراً كانوا أو كباراً وبخاصة المراهقين وفتح المجال لهم لتحقيق
ذواتهم وشكرهم وتشجيعهم وتصحيح أخطائهم دون جرح مشاعرهم .
ـ حفظ أسمائهم ومناداتهم بأحبها إليهم .
ـ ومن الأمور التي يكرهها الناس..
ـ النصيحة في العلن والتركيز على سلبياتهم دون إيجابياتهم و عدم نسيان زلاتهم.
ـ معاملتهم باستعلاء و التسرع في التوبيخ والتأديب.
ـ التمادي في الخطأ رغم وضوحه ونسبة الفضل لنفسك والفشل لغيرك..
نسأل الله تعالى أن يرزقنا التقوى والأمانة وحسن الخلق والله تعالى أعلم.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم أجمعين.