الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من تبع هداه أما بعد:
فأتكلم اليوم بحول الله حول قاعدة عظيمة من قواعد القرآن الكريم التي هي
أثر من آثار كمال علم الله تعالى، و حكمته، و قدرته في خلقه سبحانه و تعالى
و هي قوله تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى }
و هذه القاعدة جاءت في سياق قصة امراءة عمران والدة مريم عليهما السلام
يقول الله تبارك و تعالى:
{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ
كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
قال البغوي:
حقيقة النذر : وهو التزام الفعل بالقول مما يكون طاعة لله عز وجل ، من
الأعمال قربة . ولا يلزم نذر المباح . والدليل عليه ما روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا إسرائيل قائما : فسأل عنه فقالوا : نذر
أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ويصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( مروه فليصم وليقعد وليستظل )) ; فأخبره بإتمام العبادة ونهاه عن فعل المباح . وأما المعصية فهي ساقطة إجماعا ; ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ))
نقل ابن كثير:
قال محمد بن إسحاق: وكانت امرأة لا تحمل، فرأت يوما طائرًا يَزُقُّ فرخه،فاشتهت الولد، فدعت الله، عز وجل، أن يهبها ولدا، فاستجاب الله دعاءها،
فواقعها زوجها، فحملت منه، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون { مُحَرَّرا }أي: خالصا لله مفرغا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس لا أشغله بشيء من الدنيا،
وكل ما أخلص فهو محرر يقال: حررت العبد إذا أعتقته وخلصته من الرق والخلاصة أن امراءة عمران نذرت أن يكون مولودها القادم خادما لبيت المقدس
{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى }
أي: فلما وضعتها قالت معتذرة إلى ربها رب إني وضعتها أنثى إلى قوله تعالى { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى }
أي: في القوة والجَلَد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى والعباد الذين فيها
لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس فإن قدرة الذكر على خدمة بيت
المقدس و على القيام بأعباء ذلك لا شك أنها أكثر من الأنثى التي جبلها الله تعالى على الضعف البدني و الحيض و النفاس و غير ذلك
و في قوله تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى }
قد يقول قائل و إن قيل و ليس الأنثى كالذكر لحصل المقصود و الحكمة في ذلك و
الله أعلم أنه لما كان الذكر هو المقصود و المأمول و المرجو فقدم الذكرعلى الأنثى و الله تعالى أعلم .
و من أدلة هذا الإختلاف و التفاوت بين الجنسين الذكر و الأنثى قوله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: بما فضل الله بعضهم و هم الذكور على بعض و هن النساء
و منها قوله تعالى:
{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } و السبب في ذلك ظاهر فإن في الذكورة كمالا خلقيا و قوة طبيعية و في الأنوثة نقص خلقي و ضعف طبيعي كما هو محسوس و مشاهد
و دل على ذلك قوله تعالى { أَوَ مَنْ يُنشَّأُ فِي الحِليةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِين}
قال ابن كثير:أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عَيِيَّة، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى
جناب الله عز وجل ؟! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى،
فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص
إلى أن قال:
وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة
لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة.
و هنا يقال إن بعض ما جبل الله عليه الأنثى هو نوع من الكمال في حقها، و إن
كان نقصا في حق الرجال فهذا الضعف الخلقي و العجز عن الإبانة في الخصام
عيب ناقص في الرجال فهذا هو حكم الله تعالى القدري، أن الذكر ليس كالأنثى فيما بينهما من التفاوت الإختلاف بينهما، و من هنا نخلص أيها الإخوة
الأفاضل إلى القاعدة العظيمة التي يجب علينا أن نعلمها و هي: أن القرآن الكريم لا يمكن أن يفرق بين متماثلين و لا يمكن أن يجمع بين متناقظيم و
شأننا في مثل هذه الآيات العظام أن لا نقابلها بالإعراض و قياسها على عقولنا بل شأننا هنا أن نتلمس الحكم من وراء هذا التفريق بين مختلفين أو
جمع بين متماثلين .
و من توهم في أيامنا هذه من الجهال و السفهاء أن الذكر و الأنثى سواء فقد أبطل دلالة القرآن و السنة على ذلك و العياذ بالله
،و من الحكم التي وردت في التفريق بين الذكر و الأنثى في الشهادة كما قال الله تعالى:{وَاستَشهِدُوا شهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكمْ فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَينِ
فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتَانِ مِمّن تَرْضوْنَ مِنَ الشهَدَاءِ } ثم بين الله تعالى الحكمة من ذلك في قوله { أَن تَضِلّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَ }
و كالتفريق بينهما في الميراث فالذكر دائما مترقب النقص من ماله، بعكس الأنثى فهي دوما تترقب الزيادة في مالها حينها تخطب و حينها ينفق عليها
وليها قال العلامة الشنقيطي-رحمه الله تعالى-:(( لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقب للنقص دائما ، والمقوم عليه المنفق عليه المال
مترقب للزيادة دائما ، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبرلنقصة المترقبة ظاهرة جدا )).
فلنحذر و للنتبه إخواننا الكرام إلى ما ينبح به دهاة الديمقراطية و المساوات بين الرجال و النساء فهذا كلام الله تعالى نسمعه ليل نهار و قد
فرق بينهما .
فإن كان في هذا الموضوع حق و خير فهو من الله و ماكان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.
وصل اللهم وسلم على نبيك وعبدك محمد.