عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : أخذ رسول الله بمنكبي فقال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
».
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا
أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [رواه
البخاري].
هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن
يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه
على جناح سفر: يهيء جهازه للرحيل، قال تعالى:{ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن
الآخرة هي دار القرار } [غافر:39].
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول: « مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب
قال في ظل شجرة ثم راح وتركها » [رواه أحمد من حديث ابن مسعود
1/391، والترمذي (2377)، وقال: حسن صحيح].
وكان علي بن أبي طالب يقول: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد
ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من
أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
قال بعض الحكماء: عجب ممن الدنيا مولية عنة، والآخرة مقبلة إليه
بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.
وقال عمر ابن عبد العزيز في خطبته : إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب
الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا - رحمكم الله
- منها الرحلة بأحسن ما بحضراتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد
التقوى [الحلية: 5/292].
وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنا، فينبغي للمؤمن أن يكون
حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة،
همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير المقيم البتة، بل
هو ليله و نهاره، يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا وصى النبي ابن عمر أن
يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين.