( يا عجبا لك أيها الإنسان)
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم
لا تحبه ، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة ، وأن تعرف قدر الربح في
معاملته ثم تعامل غيره ، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ، وأن تذوق ألم
الوحشة في معصيته ثم لاتطلب الأنس بطاعته ، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض
في غير حديثه والحديث عنه ، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته
، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ، ولاتهرب منه إلى نعيم الإقبال
عليه والإنابة إليه ، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه ، وأنك أحوج شيء
إليه وأنت عنه معرض ، وفيما يبعدك عنه راغب.
( في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق )
جمع
النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق لأن تقوى الله يصلح
مابين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه ، فتقوى الله
توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.
( في الطريق إلى الله تعالى )
بين
العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين خطوة عن نفسه وخطوة عن الخلق ،
فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس ، ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه
وبين الله فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه.
صاح
بالصحابة واعظُ ( اقترب للناس حسابهم )- الأنبياء17- فجزعت للخوف قلوبهم
فجرت من الحذر العيون (فسالت أوديةٌ بقدرها)-الرعد17- تزينت الدنيا لعلي ،
فقال : أنت طالقٌ ثلاثاً لارجعة لي فيك ، وكانت تكفيه واحدة للسنة، لكنه
جمع الثلاث لئلا يتصور الهوى جواز المراجعة ، ودينه الصحيح وطبعه السليم
يأنفان من المحلل ، كيف وهو أحد رواة حديث " لعن الله المحلل ".
مافي
هذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك ، لابد أن تجذبك الجواذب فاعرفها وكن
منها على حذر، لا تضرك الشواغل إذا خلوت منها وأنت فيها ، نور الحق أضوأ
من الشمس فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه ، الطريق إلى الله خال من أهل
الشك ومن الذين يتبعون الشهوات ، وهو معمور بأهل اليقين والصب ، وهم على
الطريق كالأعلام ( وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا
بآياتنا يوقنون ) – السجدة 24 -.
( في قوله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" )
جمع
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " بين
مصالح الدنيا والآخرة ونعيمها ولذاتها ، إنما ينال بتقوى الله وراحة القلب
والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء في طلب
الدنيا إنما ينال بالإجمال في الطلب ، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة
ونعيمها ، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها فالله المستعان.
قد نادت الدنيا على نفسها***لوكان في ذا الخلق من يسمـعُ
كم واثق بالعيش أهلكتــه***وجامع فرقت مايـــجمـــــــــعُ
( معنى قوله تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" )
قال
تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)- العنكبوت 69- علق سبحانه
الهداية بالجهاد ، فأكملُ الناس هدايةً أعظمهم جهاداً ، وأفرض الجهاد جهاد
النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا ، فمن جاهد هذه الأربعة في
الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى حنته ، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى
بحسب ماعطل من الجهاد. قال الجنيد : " والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة
لتهدينهم سبل الإخلاص ، ولايتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه
الأعداء باطناً ، فمن نصر عليها نصره على عدوه ، ومن نصرت عليه نصر عليه
عدوه".
{ قاعدةٌ جليلةٌ }
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
من
اشتغل بالله عن نفسه ، كفاه الله مؤونة نفسه ، ومن اشتغل بالله عن الناس ،
كفاه الله مؤونة الناس ، ومن اشتغل بنفسه عن الله ، وكله الله إلى نفسه ،
ومن اشتغل بالناس عن الله ، وكله الله إليهم .
( في علامة صحة الإرادة)
علامة
صحة الإرادة : أن يكون هم المريد رضى ربه ، واستعداده للقائه ، وحزنه على
وقت مر في غير مرضاته وأسفه على قربه والأنس به . وجماع ذلك أن يصبح ويمسي
وليس له هم غيره