الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة والواقعُ المعلوم والمشهود أن النساء فتنة للرجال ابتلوا بهن، فهم يفتتنون بهن، لذلك تتعلق بهن أسماعهم وأبصارهم، وتشتاق إليهن قلوبهم، كل ذلك بدافع الشهوة الغريزية وكثيرا مايكون ذلك على الوجه المحرم، بل كل ذلك محرم إلا مع الزوجة والمملوكة، قال تعالى:[والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ] (المعارج) وقال تعالى: [ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ] (الفرقان).
وقال تعالى: [والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقَ أثاما ] .
وقد سد الله كل طريق يفضي إلى هذه الفاحشة، وقد أجمل ذلك في قوله تعالى : [ولا تقربوا الزنا ] .
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم النظر المحرم والاستماع المحرم واللمس المجرم والمشي المحرم زنى، لأنه طريق إليه فقال عليه الصلاة والسلام: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أوَيُكَذِّبُهُ). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهذا لفظ مسلم
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كتب على ابن آدم) خبر عن جريان القدر، ولا يدل ذلك على الإباحة ولا يكون عذرا، ومما أمر الله به سدا لذريعة الزنى غض البصر من الرجال والنساء ومما نهى الله عنه لذلك:
إبداء النساء زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن، قال تعالى: [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون] . (النور).
ومن الأسباب المثيرة لفتنة الرجال بهن تبرجهن وعدم قرارهن في البيت من غير حاجة، وخضوعهن بالقول في الحديث مع الرجال وهو ترقيق الصوت، وما يعرف عند الناس بالميوعة، وقد وصَّى الله نساء نبيه بهذه الآداب فقال سبحانه: [يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ] .(الأحزاب)
ومما جاء في السنة النهي عنه سدا لذريعة الزنا الخلوة بالمرأة الأجنبية وسفرها من غير محرم، قالe : (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) رواه الإمام أحمد عن عمر t، وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلاَ لاَ يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ) زوجا ونحوه كسيد الأمة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأةَ أن تنعت المرأةَ لزوجها كأنه ينظر إليها، أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الرجال بالنساء فقال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تنظر تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) متفق عليه، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: (إن مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا).
ولم يزل يظهر مصداق ما أخبر به النبي من ضرر فتنة النساء وخطرها على الرجال، ولم يظهر ضرر وخطر فتنة النساء أعظم مما ظهر في هذا العصر فقد اتخذت فتنة النساء لإغراء الرجال لما حصل من الوسائل إما بجسد المرأة أو بصورتها فاستغلت المرأة أسوأ استغلال من الكفار ومن أكثر المسلمين مجاراة للأمم الكافرة واتباعا للشهوات في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وخصص لذلك دراسات وبرامج ومجلات وقنوات فضائية ومواقع شبكية، كما استغلت المرأة في جسدها أو صورتها لترويج التجارة؛ عاملة في المحلات التجارية والفنادق وخطوط الطيران، وفي الإعلام بصوتها وصورتها مغنية وممثلة ومقدمة للبرامج والدعايات وفي مجال العمل الوظيفي مختلطة مع الرجال سكرتيرة ومديرة للمكتب ومستقبلة للمراجعين ومأمورة للهاتف وممرضة للرجال ومندوبة مبيعات، وشرط ذلك الشباب والجمال والأناقة واللياقة.
ومما زينه الشيطان للمرأة حتى المسلمة التبرج في الأسواق أو السفور بتأثير الشهوات أو الشبهات، وعلى من تفعل ذلك إثمها ومثل إثم كل من أغرته بنفسها لأنها المتسببة في إثمه.
ومما زينه الشيطان لكثير من المسلمات التهاون في الستر والاحتشام، وذلك بالإعجاب والرغبة في الثياب القصيرة والشفافة والعري بكشف كثير من الجسد واستباحة ذلك في مجامع النساء من غير استحياء بل بإعجاب، فهن كاسيات عاريات، وفي صحيح مسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا؛ ـ وفيه ـ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)، وهذه العادة القبيحة المذمومة شرعا وفطرة، دخلت على نساء المسلمين من نساء الغرب الكافر لما صار كثير من المسلمين رجالا ونساء يعجبون بعادات هذه الأمم الغاوية الضالة من أمتي المغضوب عليهم والضالين والمشركين، فأدى ذلك بكثير من المسلمين والمسلمات إلى التشبه بالكفرة من الرجال والنساء، فعرضوا أنفسهم للوعيد بقوله e: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وإسناده جيد، وصار المنافقون وجهلة المسلمين من الرجال والنساء يسخرون بالحجاب والمتحجبات، ويعدون ذلك من التشدد في الدين، وفي مقابل ذلك يكيلون المدح للنساء المستغربات المتحررات من قيود الفضيلة من الحياء والحشمة والبعد عن دواعي الفتن، ويلقبون هذا الصنف ألقاب التبجيل كالمثقفات والمتطورات والمتفتحات والجريئات والعصريات، كما يُنعت بذلك أمثالهن من الرجال، واتخذوا من هذا الصنف من النساء وسائل دعاية في برامج القنوات والإذاعة والصحف والمجلات، مستغلين جوانب الفتنة في المرأة؛ تارة بصوتها وتارة بصورتها وتارة بشخصها، أو بذلك كله، بل اتخذوا من ذلك أداة لترويج السلع، وهذا كله من التوسل إلى كسب المال بكل وسيلة، بل فوق ذلك: القصد إلى إشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين، ولاريب أن هذه هي الغاية للكفرة والمنافقين.
وهذا الشر المتنوع كله (تفعيل) لفتنة المرأة، ومبدأ ذلك في مجتمعات المسلمين حين استولى النصارى على كثير من بلدان المسلمين، ولم تزل هذه الفتنة يوقد نارَها الكفرةُ من اليهود والنصارى حتى بعد خروجهم العسكري على أيدي أوليائهم أي عملائهم من الحكام وأصحاب النفوذ وحملة الأقلام الآثمة الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: [ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ] (النساء)
والمراد بالذين يتبعون الشهوات اليهود والنصارى وغيرهم من الكافرين، وكذلك الزناة الفسقة من المسلمين، ومثلهم المنادون بفتح دور السينما فإنهم من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ الزنا ودواعيه، من التبرج والاختلاط، وقد سعوا لتحقيق ما يريدون وما يحبون في جميع المجالات فعظمت الفتنة بهؤلاء الفجار، وتغيرت كثير من مجتمعات المسلمين فصارت تضاهي المجتمعات الكافرة، فأخذت كثير من النساء المسلمات بقدر من هذا التشبه والتغريب، فمستقل ومستكثر. فشرهن التي انسلخت من حيائها وآداب دينها، فهي لا تقف عند حد من حدود الله, ولا تبالي بما جاءت به شريعة الإسلام من أحكام وآداب، فهي لا تعرف الفضيلة التي أرشد إليها الإسلام ودلت عليها الفطرة السوية، فهذه تكون فاسقة أو كافرة إن استحلت هذا السلوك، ودون هذا الصنف من المستغربات أصناف بعضها أسوأ وبعضها أخف، وأخفهن تأثرا بهذا الفكر والسلوك هن اللاتي يُعجبن بتقصير الملابس وتضييقها وكشف كثير من بدنها، فمنهن من يمنعهن من ذلك الحياء أو الدين فلا تفعل شيئا من ذلك حتى في مجامع النساء، ومنهن التي تستحل ذلك في محافل النساء وتفخر به، ولا يمنعهن من ذلك في المدارس وأماكن عملهن إلا النطام، فلا حياء ولا دين يزعهن.
وأقل مظهر من مظاهر الرغبة في التخفف من الحجاب كشف أكثر النساء ـ حتى الصحالحات- رؤوسهن في المحافل وفي المدارس، وهذا وإن لم يكن حراما؛ فإنه استثقال لوضع الحجاب على الرأس، وإلا؛ فلِمَ ينعكس الأمر في هذه العادة؟ فالرجال لا يجرؤون على كشف رؤوسهم في لقاءاتهم واجتماعاتهم، والنساء لا تجرأ الواحدة منهن على تغطية رأسها في المحافل والمدارس، وهذه العادة فيها إحراج من وجوه:
1ـ أن المرأة لا يمكن أن تحضر إلا بعد أن تسرح شعرها، وهذا يستدعي قدرا من جهدها ووقتها.
2ـ أن التي في رأسها صلع أو شيء منه أو شعرها سيئ المنظر سيُعرف ذلك فيها وإن غطت رأسها، لأنها تصبح بذلك شاذة.
3ـ أنه مع انتشار آلات التصوير في الهواتف الجوالة وغيرها لا يؤمن أن تصوَّر المرأة وهي بكامل زينتها، وهذا أعظم مفسدة مما لو صورت وحجابها على رأسها،
لذلك أدعو الأخوات الصالحات من العاملات وغيرهن إلى الدعوة بإلغاء هذه العادة، والبدء بأنفسهن لتكون الدعوة بالقول والفعل، ولا ريب أن هذا مما يغضب دعاة السفور والتغريب، وقد يعدونه رجعية، فإن الواقع الذي هو أقرب إلى ما يتطلعون إليه - وإن لم يكن حراما ـ يهوونه ويسوؤهم تركه، ونذكر الأخوات الصالحات بأن تغيير العادات المحرمة أو المكروهة يحتاج إلى شجاعة وصبر، كما نذكر بقوله e: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ) خرجه مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله t.
وفي الختام أذكر بما وصى الله به المؤمنين والمؤمنات من غض الأبصار وحفظ الفروج، وما وصى الله به المؤمنات ونساء نبيه صلى الله عليه وسلم من ترك دواعي الفتنة؛ كإبداء الزينة والضرب بالرجل والخضوع بالقول والتبرج، وما أمر به سبحانه من القرار في البيوت وضرب الخمر على الجيوب، والتوبة من جميع الذنوب (وتوبوا إلى الله جميعا تفلحون) وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.