إن الأمن والأمان من أجلّ نعم الله تبارك وتعالى، امتن الله بها على قريش في أكثر من آية، قال تعالى:
( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ) [ العنكبوت:67 ] ، وقال تعالي : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ القصص:57 ]
فالأمن والأمان من أجلّ نعم الله تبارك وتعالى على العباد، فيها يجد الإنسان نفسه، ويؤدي وظيفته، ويغدو ويروح آمنا مطمئنا، ومن هنا لما امتنّ الله على قريش بنعمة الأمن أمرهم أن يعبدوه شكرا عليها، فقال تعالى: ( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ قريش:1-4 ]
وفي هذه الآيات إشارة لطيفة إلى أنه في حال الأمن يتمكن الناس من عبادة الله تعالى، ولكن في حال الخوف والقلق لا يتمكنون من عبادة الله تعالى، وإذا أدوها لم يؤدوها على وجهها المشروع أصلا، وإنما يستخدمون الرخص التي رخص الله لهم فيها في حال الخوف والقلق، ومن هنا كانت صلاة الخوف تختلف في حقيقتها عن الصلاة في حال الأمن، يوضح ذلك قوله تعالى: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين * فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) [ البقرة : 239،238 ]
فلما كذبت قريش رسولها، وعصت أمر ربها، ولم يشكروه على ما أنعم به عليهم من نعمة الأمن بَدّل الله أمنهم خوفا، وشبعهم جوعا ، كما قال تعالى: ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ) [ النحل:112-113 ]
ولما بدّل الله حال قريش من الأمن إلى الخوف، بدّل حال الفئة المؤمنة من الخوف إلى الأمن، وحقق لهم وعده الذي وعدهم به في قوله: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) [ النور : 55 ]
وامتنّ الله على هذه الفئة المؤمنة بما حباها من نعمة الأمن، فقال سبحانه: ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) [ الأنفال : 26 ]
ومن أجل المحافظة على هذه النعمة أمر الله ورسوله بالصبر على ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم، لما يترتب على الخروج عليهم من إزالة الأمن والأمان، وحلول الفوضى والقلق والاضطراب، الذي تسلب فيه الأموال، وتنتهك فيه الأعراض، وتزهق فيه الأرواح.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم )) [ متفق عليه ] ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية )) [ متفق عليه ]
وأسعد الناس بهذه النصوص أهل السنة والجماعة، الذين يدينون لله تعالى بالسمع والطاعة للأمراء، والدعاء لهم، وعدم الخروج عليهم، كما قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ".
ويدخل في طاعة الأمراء احترام أهل الذمة، المواطنين أو الوافدين، لأن لهم عهد أمان من الأمراء، بصيانة دمائهم وأموالهم، فلا يجوز سلب أموالهم، فضلا عن إزهاق أرواحهم، فقد جاءت الأحاديث تتوعد من فعل ذلك.
عن صفوان بن سليم رحمه الله عن عِدّة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة )) [ صحيح أبي داود:2626 للإلباني ]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل معاهدا لم يَرُحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا )) [ رواة البخاري ]
فتبين من ذلك أن هذه الحوادث الأخيرة التي وقعت في البلاد، واستهدف منفذوها قتل السيّاح الأجانب، تبين من ذلك أن هذه الأعمال مخالفة للشريعة، ولا يقرّها الإسلام والمسلمون أبدا.
كيف وآثارها تتعدى إلى المسلمين الأبرياء، والله تعالى يقول: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) [ النساء : 93 ]
وثالثا: هذا الذي يفجّر هذه التفجيرات فيقتل نفسه أولا قبل غيره، وقتل النفس حرام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلّدًا فيها أبدا، ومن تحسّى سما فقتل نفسه، فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدا فيها أبدا )) [ متفق عليه ]
لكل هذا ، تستنكر أنصار السنة المحمدية هذه الحوادث ، وتدعو الشباب إلى الإقبال على طلب العلم، الذي ينوّر لهم الطريق، وأن يحرصوا على مجالس العلماء الربانيين الذي يفقهونهم في الدّين، ويعلمونهم الحلال والحرام، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
وأخيرا: نهمس في أذن كل شاب: إياك والحماسة، وإياك والاندفاع، كيف تقتل نفسك ترجو بذلك الجنة، والجنة حرام علي من قتل نفسه، أو قتل نفسًا بغير حق.
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-----------------------------------------